• Google Plus
  • Rss
  • Youtube
مارس 24, 2020

قراءات مستقبلیة رقم (٢) ٢٠٢٠

القضايا المستعصية في اقليم كوردستان و مستقبل إصلاحها

– قراءات مستقبلية (٢)

– الباحثون: د. يوسف گوران، د. ئوميد رفيق فتاح، د. عابد خالد رسول، د.هردي مهدي ميكة

– السليمانية – اقليم كوردستان 

آذار 2020

فهرست المواضیع

 

المحور الأول: الأمن الصحي لإقليم كوردستان أمام تهديدات فيروس كورونا.

المحور الثاني: قضية الديمقراطية الداخلية في أحزاب اقليم كوردستان (مؤتمر الاتحاد الوطني الكوردستاني نموذجا).

المحور الثالث: الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بعد المؤتمر، المرحلة البرزخية.

                                                                          

توطئة

يواجه إقليم كوردستان هذه الأيام، كغيره من بلدان العالم، مخاطر (فيروس كورونا)، كما يواجه قضية التغييرات الداخلية للأحزاب السياسية (المؤتمرات الحزبية والديمقراطية الداخلية)، إذ تترك هذه القضايا تأثيرات على سلوك القوى السياسية الفاعلة في الإقليم، وترتبط كل منها بالأمن الصحي لأقليم كوردستان ومستقبله السياسي. القراءة الحالية تبحث في هذه القضايا الرئيسة مع التركيز على السيناريوهات المستقبلية لتطور تلك القضايا وتأثيراتها على أبعاد الحياة السياسية في إقليم كوردستان العراق.

المحور الأول: الأمن الصحي لإقليم كوردستان

أمام تهديدات فيروس كورونا

الآراء المتعلقة بمفهوم (الأمن الصحي) متنوعة ومتضاربة، إذ  يرى كثيرون أنه “مفهوم سياسي” بوصه يشكل بعدا من ابعاد الأمن القومي، من منطلق أن (الأمن الوطني) عبارة عن قدرة الدولة على مواجهة التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية، في حين يرى آخرون أن (الأمن الصحي) “مفهوم إنساني” لكونه يشكل بعدا من ابعاد الأمن الإنساني الذي يعد من ضمانات تأمين حقوق الإنسان، مما يجب أن تكون حماية حياة الإنسان وحرياته من التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية، وتأمين مستلزماته بشكل أساسي، غاية لنشاطات الدولة وسياساتها كافة.

ورغم هذا الجدل النظري إلا أن مفهوم الأمن الصحي عبارة عن أحد المعايير لتحديد قدرة الدول على تأمين حياة صحية للمواطنين وبيئة ملائمة لهم، مع قياس قدرة الدول على مواجهة جميع المخاطر المحدقة بحياة الإنسان من الأمراض المزمنة والتلوث البيئي والكوارث الطبيعية. السؤال المطروح حالياً هو: ما مستوى الأمن الصحي في إقليم كوردستان حاليا؟ و هل بإمكان الإقليم تأمين هذا النوع من الأمن؟ ولا سيما في ظل الوضع الحالي الذي أصبح فيه مواجهة مخاطر انتشار فيروس كورونا وقعة لا محال.

– وضع الأمن الصحي لإقليم كوردستان:

للتأكد من الوضع الصحي لإقليم كوردستان، يجب التأكد أولاً من امتلاك الإقليم لنظام صحي قادر على تأمين الصحة للمواطنين، من منطلق أن النظام الصحي عبارة عن مجموعة سياسات وأدوات مادية وبشرية تتيحها الدولة لتأمين الأمن الصحي لمواطنيها، مثل: صياغة سياسات صحية ملائمة، تأمين التخصيصات المالية الضرورية لتنفيذ السياسات، تأمين الأدوية والعلاجات والأدوات الطبية اللازمة للأوقات العادية والطارئة، والقدرة على مراقبة جودة تلك الأدوية وسرعة إيصالها للمواطنين على شكل خدمات صحية، مع الإدارة الجيدة للمؤسسات الصحية ومراقبتها وفق المعايير العالمية، مع وجود نظام معلوماتي واستخباري صحي جديد لمجمل العمليات الصحية والطبية ومواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بها كالأوبئة والأمراض المعدية والكوارث الطبيعية الطارئة وغير المتوقعة… وغيرها.

ومن المؤسف القول أن النظام الصحي في كوردستان، مع مراعاة المعايير المذكورة أعلاه، ليس في وضع جيد ولا يُتوقع منه تأمين الأمن الصحي للمواطنين بالقدر الكافي إذا قارننا بين مستوى المخاطر والتهديدات على الأمن الصحي في الإقليم وقدرة الاقليم على مواجهة تلك المخاطر والتهديدات.

– المخاطر التي تهدد الأمن الصحي في إقليم كوردستان:

قياساً بمعايير الصحة العالمية، يمكننا الإشارة إلى المخاطر التي تواجه النظام الصحي والبيئي في إقليم كوردستان:

1- القدرات البشرية تعاني من ضعف كبير: إذ تشير الاحصاءات المتوفرة إلى أن مدينة مثل السليمانية بحاجة إلى 25 ألف كادر صحي من الأطباء والممرضين، مما تتضمن عدداً من الاختصاصات الدقيقة والنادرة، إلا أن المدينة تمتلك حالياً 13 ألف كادر صحي فقط، ويفتقر هذا العدد إلى التنوع والتدريب اللازم للاستفادة من طاقاتهم وكفاءاتهم في أوقات الطارءة والضرورة.

2- البنية التحتية الطبية تعاني من النقص: وهي مخيبة للآمال في قدرتها على مواجهة تفشي الأوبئة والأمراض المعدية المفاجئة.

3- هشاشة الرقابة الصحية: وهذا يتمثل في الأداء المرتبك للجهاز الصحي الحكومي والأهلي، مع تسويق أدوية مغشوشة ووجود عصابات للاتجار بصحة المواطنين، فإضافة الى عدم وجود مياه صالحة كافية للشرب وإزدياد مصادر التلوث للمياه وكذلك البيئة الطبيعية في الإقليم.

4- غياب الثقة: وقد نجم هذا تهديدا عن الأسباب الثلاثة المذكورة سابقا التي   أدت إلى تدمير جسر العلاقة التي يفترض وجودها بين المواطنين والقطاع الصحي الحكومي والأهلي مما ترك أثرا على عدم الالتزام بالتعليمات الصحية.

5- تجاهل مساندة المراكز البحثية والكيماوية والبيولوجية، إضافة الى عدم وجود مؤسسة وطنية لمواجهة المخاطر البيولوجية السارية التي تشكل خطراً عالمياً تستدعي تأهباُ دائماً وينبغي الاهتمام بها من قبل الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء، إلا أنه من الملاحظ أن آخر ميزانية طموحة لإقليم كانت في 2013 ولم تتضمن تخصيصات لدعم المراكز البحثية الصحية.

6- ثمة مخاطر أخرى إضافة إلى المخاطر اعلاه مثل: غياب الوعي الصحي لدى الحكومة والمواطنين على حد سواء، الخلط بين القطاع الصحيى العام والخاص و عدم وجود أطباء للعوائل…. وغيرها.

– قدرات الإقليم لمواجهة المخاطر المحدقة بالأمن الصحي:

المخاطر المحدقة بالأمن الصحي أكبر من قدرات اقليم كوردستان على مواجهتها، وأن المعول عليها لهذه المهمة لا تتجاوز قدرات شخصية وبعض الاختصاصات النادرة، مع بعض النقاط الإيجابية مثل ارتباط النظام الصحي في كوردستان بالنظام الصحي العالمي، إضافة الى نظافة البيئة الطبيعية لاقليم كوردستان قياساً بباقي البلدان بسبب عدم تنشيط الصناعات فيه لحد الآن.

– مستقبل الأمن الصحي لإقليم كوردستان أمام مخاطر كورونا:

انطلاقا من أن إقليم كوردستان يمتلك نظاماً صحياً ضعيفاً جداً، طبقا لمعايير منظمة الصحة العالمية، فنحن أمام سيناريوهين:

1- بما أن وزارة الصحة قد شرعت باتباع خطوات الوقاية مبكراً، على احتمال أن الأقليم لديه القدرة على الوقاية أكثر من القدرة على العلاج، فإن الإقليم لديه إمكانية حماية الأمن الصحي للمواطنين، ولا سيما إذا صدقت التنبؤات بإنحسار الوباء في موسم الحر الذي نقبل عليه قريبا.

2- نظرا لضعف البنية التحتية للنظام الصحي الحالي للإقليم وعدم قدرته على ضبط حدودها مع بعض الدول المجاورة التي تعد مصدرا وبؤرة لتفشي فيروس كورونا في الوقت الحالي ولا سيما  إيران، بسبب علاقة كوردستان الوثيقة بها جغرافيا وديموغرافيا وتجاريا، فإن مخاطر فيروس كورونا على إقليم كوردستان ستكون كبيرة ولا يمتلك الإقليم قدرات كافية لموجهتها. 

المحور الثاني: قضية الديمقراطية الداخلية في أحزاب اقليم كوردستان (مؤتمر الاتحاد الوطني الكوردستاني نموذجا)

– أولاً: المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني الكوردستاني

يهدف عقد المؤتمرات، كآلية وكميراث سياسي داخل الأحزاب، الى تجديد ومنح الشرعية للقيادة ومؤسسات الحزب بطريقة ديمقراطية، وهو بذلك بات ضروريا لتجديد الحياة السياسية في الديمقراطيات الراسخة، إلا أن الإلتزام بهذه الآلية لم يكن مستقيما ودقيقاً في أوقات استحقاقها في التقاليد السياسية الشرقية ولا سيما  في إقليم كوردستان ولدی أحزابه السياسية ومن ضمنهم الاتحاد الوطني الكوردستاني، إذ لم يعقد هذا الحزب خلال مسيرته طيلة (45) عاماً سوى (4) مؤتمرات فقط مما جلب سخطا وتذمراً في داخل صفوفه.

– محددات المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني:

1- المحددات الخارجية:

ينظم شكل الحياة الحزبية في الأنظمة الديمقراطية وفق الدستور والقوانين والتعليمات. وقد ألزم قانون الأحزاب السياسية العراقية 2017 جميع الأحزاب بتطبيق النظام الداخلي وتحديد موعد لعقد مؤتمراتها الدورية وأقرت عقوبات للمخالفين، ومنع القانون ترشيح الضباط الكبار للمناصب الحزبية. وجراء إلزام الأحزاب بتطبيق القانون اضطر الاتحاد الوطني الكوردستاني لعقد مؤتمره الرابع في كانون الأول 2019.

2- المحددات الداخلية:

يلزم النظام الداخلي، الذي اقر في المؤتمر الثالث لعام 2010، الاتحاد الوطني الكوردستاني بعقد مؤتمره العام كل (3) أعوام ومنحه حق تأجيل المؤتمر لمدة (3) الى (6) أشهر لمرة واحدة، وبخلاف ذلك تفقد الهيئة القيادية شرعيتها، وكان من المفروض أن يعقد الاتحاد مؤتمره الرابع في مطلع عام 2014.

ورغم أن النظام الداخلي لم يحول دون تأخير المؤتمر، إلا أنه شكل وسيلة ضغط بيد الراغبين بعقده وكذلك بيد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق.

من جانب آخر ترك التنافس الداخلي لأجنحة الاتحاد الوطني الكوردستاني أثرا على شكل وتوقيت عقد المؤتمر، ولا سيما بعد مرض الأمين العام جلال طالباني وحدوث فراغ في قيادة الاتحاد، وقد ظهر هذا جلياً في الانتخابات البرلمانية للاقليم عام 2013 إذ تراجعت مقاعد الاتحاد الوطني الكوردستاني وأصبح القوة الثالثة بعد حركة التغيير. ولا يخفى أن عددا كبيراً من قادة الاتحاد لم يشاركوا في الحملة الانتخابية بسبب الخلافات الداخلية، وشكلت النتائج السيئة للانتخابات ضغطاً أيضاُ باتجاه عقد المؤتمر.

ومما سبق يظهر أن عوامل عدة دفعت الاتحاد الوطني الكوردستاني لعقد مؤتمره الرابع منها: ابتعاد مام جلال عن ممارسة مهامه كأمين عام ومن ثم وفاته، فراغ القيادة، التنافس الداخلي، تراجع السلطة السياسية والحزبية وفقدان الشرعية وفق النظام الداخلي، إلا أن تأجيل المؤتمر لعدة مرات تسبب بظهور جيل سياسي ساع إلى تغيير الخيارات السياسية وكان المؤتمر وسيلة ناجعة لترجمة هذه الرغبة الجامحة لهذه الشريحة السياسية الشابة.

– مشاريع ما قبل عقد المؤتمر:

شهدت فترة ما قبل عقد مؤتمر الرابع للاتحاد الوطني الكوردستاني تقدیم وطرح عدد من المشاريع، كانت تعبر عن وجهات نظر الشخصيات والأجنحة المختلفة داخل الاتحاد، وسط محاولات حثيثة لتقديم مشروع شامل يلبي تطلعات جميع الأطراف.

كان من المفروض أن يأخذ كل مشروع بالحسبان ثلاث قضايا رئيسية ويجد لها الحلول وهي: الهيكل الجديد للاتحاد، موقع القادة القدامى، قمة هرم القيادة.

بشأن مسألة هيكل الاتحاد الوطني الكوردستاني فإن تأسيس نوع من البرلمان الحزبي كان مطروحاً لمراقبة الهيئة التنفيذية للحزب، تعود هذه الفكرة لما قبل المؤتمر الثالث عام 2010، لكنها لم تأخذ فرصة للتنفيذ وتم تغييره لمجلس مركزي، ولم تقرر الفكرة إلا بعد اجراء تعديلات عليها في المؤتمر الرابع الأخير عبر انتخاب قيادة عامة بمثابة (برلمان) لتختار هذه القيادة العامة هيئة قيادية مصغرة (المكتب السياسي) و رئاسة الاتحاد، وتمتلك القيادة العامة ايضا صلاحية تغيير المكتب السياسي ورئاسة الاتحاد. تم اقرار هذا المشروع في المؤتمر بالأغلبية لكن الصياغة التفصيلية له أُسندت إلى الهيئة القيادية العامة لما بعد عقد المؤتمر.

وتتمثل القضية الثانية في موقع القادة القدامى والتي شكلت نقطة للخلاف. قبل المؤتمر كان خيار تشكيل “مجلس الحكماء” مطروحاً للنقاش بشكل علني أو تحت مسمى “ذوي الخبرة” أو “التوازن السياسي”، ويعود تاريخ هذا الطرح إلى الأعوام (2013–2014) وأصبح جزءاً من الحوار السياسي داخل صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني، إلا أن المشكلة انحصرت بصلاحيات المجلس وليست بأصل الفكرة، وكان من المقرر حسم اسم رئيس هذا المجلس فقط دون الخوض في تفاصيل أسماء ومواصفات الأعضاء في المؤتمر، لكن الأمور تطورت لتسمية الأعضاء، وبقيت مشكلة صلاحياتها عالقة رغم إجراء حوار مطول بشأنها استغرق كثيراً من الوقت، وتركت المشكلة فيما بعد للقيادة المنتخبة من المؤتمر، مما يعني أن المشكلة لاتزال عالقة وغير محلولة حتى بعد انتهاء المؤتمر.

أما بشأن  القضية الثالثة الحساسة المتمثلة برئاسة الاتحاد الوطني الكوردستاني، فإنها كانت شبه غائبة في عهد الراحل جلال طالباني ما عدا محاولات ظهرت باسم جناح الإصلاح في حياة الزعيم الراحل، إلا أنه وبعد مرض طالباني صعدت قضية الرئاسة بقوة إلى السطح. ويبدو أن غياب استراتيجية أو خطة من قبل طالباني نفسه لقضية خلافته داخل القيادة أو العائلة كان سببا أساساً في تفاقمها وحينما غاب دوره عن المشهد لم تكن هناك رؤية واضحة المعالم لقضية رئاسة الاتحاد.

كان لدى القادة القدامى للاتحاد الذين يملكون تاريخا نضالياً أيام الثورة الرغبة لخلافة طالباني، إلا أن الصراعات الداخلية امتزجت بفكرة الخلافة وغاب الإجماع داخل القيادة. ولحسم هذه القضية كان لابد من عقد المؤتمر، حينما كان يسعى كل واحد منهم حسم الصراع لصالحه، مما أدى الى تعقيد الأجواء اثناء التحضير لعقد المؤتمر.

ورغم وجود أفكار مختلفة لقيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني مثل “الهيئة الرئاسية” أو “الرئاسة الثنائية” لكن ضرورة وجود رئيس واحد للاتحاد كان رأيا غالباً. وبذلت الأطراف مساعي غير مباشرة من أجل طرح برهم صالح (رئيس جمهورية العراق حاليا) مرشحاً لهذا المنصب، ودعمت أطراف الاتحاد جميعاً فكرة إبعاد منصب رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني من التنافس وعدم وجود تنافس على الرئاسة وحسمه لبرهم صالح حفاظاً على سمعته وحظوظه، إلا أن السيناريوهات المتعلقة برئاسة الاتحاد شهدت تغييرا دراماتيكياً وسريعاً إذ فرضت نتائج انتخابات المراكز التنظيمية صعوداً قوياً لجناح عائلة طالباني مما حسم نتائج المؤتمر لصالح هذا الجناح أيضاً بسبب تفوقهم داخل المؤتمر. ممثلوا جناح طالباني الذين حازوا على المراتب الأولى والثانية من تصويت أعضاء المؤتمر رأوا أن من حقهم أداء دور رئيسي في صياغة قرارات وسياسات الاتحاد الوطني الكوردستاني وشددوا على انتخابهم كمساعدين أو في مناصب نائب رئيس الاتحاد وفشلت المحادثات التي ركزت على وجود نائبين لرئيس الاتحاد، وتم التخلي عن فكرة رئاسة برهم صالح للاتحاد وكانت انشغالاته في بغداد عاملاً حاسماً آخر لدعم وجود نائبين نشطين لإدارة أمور الحزب.

وانسحب برهم صالح من مشروع رئاسة الاتحاد الوطني الكوردستاني، وبسبب عدم وجود شخصية بديلة يحظى بإجماع قوي، دفع القيادة للتفكير في خيار الرئاسة الثنائية ما نجم عنه ترشيح الفائزين بالمرتبتين الأولى والثانية من أصوات اعضاء المؤتمر (بافل طالباني و لاهور جنگي) كحل واقعي وديمقراطي وتم انتخابها دون خوض سباق التنافس.

– مستقبل هيكل الاتحاد الوطني الكوردستاني:

من المبكر الحكم على هيكل الاتحاد الوطني الكوردستاني الحالي أو كيفية قيادته أو التأثيرات المستقبلية إلان أنه يمكن ملاحظة هذه السيناريوهات للفترة المقبلة:

1- بعد (7) أعوام من الأزمات والصراعات وفراغ القيادة في أعلى قمة الهرم، تمكن الاتحاد الوطني الكوردستاني من العثور على مسلك مؤسسي مما يشكل خطوة إيجابية ومن الممكن أن يدفعه إلى الكف عن الانشغال بالإنقسامات الداخلية لكن نجاحه مرهون بمدى نجاح نموذج الرئاسة الثنائية كنموذج جديد يحتاج إلى الخبرة والتسامح والمرونة.

2- بعد انسحاب أو استبعاد الكثير من قادة الاتحاد الوطني الكوردستاني القدامى، يُدار الاتحاد الوطني الكوردستاني حاليا من قبل شريحة سياسية شابة، لكن رؤية هذا الجيل من الشباب لقيادة الاتحاد غير واضحة المعالم حتى الآن، وتتسم بالغموض إذ من المفترض أن يقترن كل تغيير جيلي بتغيير في البرامج، واذا لم يكن كذلك فهذا يعني الدوران في حلقة فارغة.

3- على القيادة الجديدة التعامل مع قضايا هامة برؤية جديدة مثل فقدان المبادرة السياسية، غياب الرؤية، خلط التجارة بالسياسة، خمول المؤسسات الحزبية وإهمال تراجع الكوادر النوعية إضافة الى العلاقات مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحركة التغيير والقوى الإسلامية الكردية إضافة إلى حزب العمال والعلاقات مع بغداد.

4- وجود عدد كبير من أعضاء القيادة (124 شخصاً) يُعقد ويصعب عملية اتخاذ القرارات ولا سيما في ظل إفتقار الكثير منهم للخبرة، مما يؤدي بالطبع لفتح الباب أم الهيئة التنفيذية المصغرة (المكتب السياسي) لأداء دور مفصلي وهذا يصعب عملية مراقبة الهيئة في المستقبل.

5- فی سبیل ادامة العلاقة بين الجيل القديم ذو الخبرة والجيل الجديد ذو القدرة داخل الحزب، يجب إيجاد آلية جديدة للتواصل الفعال سواء مع المجلس العليا السياسي أو مع جميع الكوادر القدامى ذي الخبرة، إذ يستحيل في كثير من الأحيان إجتماع شرطي النجاح (ادامة القيم والتجديد) في جيل سياسي واحد وإن كان جيلا جديداً.


المحور الثالث: الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بعد المؤتمر،

المرحلة البرزخية

يرجع تاريخ الاتحاد الإسلامي إلى أكثر من ربع قرن من الزمان وهو  يمضي حراكه السياسي في السنوات الأخيرة في مفاصل هامة بشكل معلق ويقف في الوسط في ثنائيات متناقضة مثل الدين والدعوة، الدنيا والقيامة، القومية والأممية إضافة إلى السلطة والمعارضة ما يمكن أن يُطلق عليها المرحلة البرزخية. وتعرّض التجربة الديمقراطية لهذا الحزب مؤخرا لضربة وشهدت تراجعاً اثر شكوك تدور حول سيطرة الحرس القديم عليه وتوجهه نحو نموذج العائلية في القيادة بعد مؤتمره الأخير كإحتمال مرجح.

عقد الاتحاد الإسلامي مؤتمره الثامن في يومي 28 و29 كانون الأول 2019 بحضور 900 عضو (شكلت النساء 22.5% منهم) في مدينة أربيل وصادقت على 8 نقاط كاستراتيجية عمل للمستقبل. وتهيمن على توجهات الحزب ثلاث هيئات مفصلية وهي: الأمين العام، الهيئة العليا للمراقبة، ومجلس القيادة. حاز صلاح الدين محمد بهاء الدين (مواليد 1950 هورامان) على ثقة أعضاء المؤتمر بنسبة 62% (546 صوتاً) فيما حصل منافسه أبوبكر علي على (342) صوتاً، ويشغل (5) من الأعضاء مناصب الهيئة العليا للمراقبة اضافة الى (2) من الاحتياط ونال كلهم الثقة من المؤتمر. كما حصل (27) عضواً على الثقة للصعود إلى الهيئة القيادية وانضموا إلى (16) مسؤولاً لمراكز تنظيمات المدن انتخبوا في فروعهم قبل ذلك ليصل عدد أعضاء القيادة إلى (43) عضواً.

يشغل الاتحاد الإسلامي حاليا (5) مقاعد في برلمان كوردستان جراء انتخابات 2018، وعضوين في مجلس النواب ببغداد من انتخابات 2018، في وقت كان قد حصل على (10) مقاعد في انتخابات برلمان كوردستان لعام 2013 و(4) مقاعد في انتخابات عام 2014 في العراق، ما يعني تراجعه بنسبة 50%.

– مغادرة الميراث النموذجي:

اختار الاتحاد الإسلامي نموذج “الخدمي الناقد” كضرورة ملحة عام 2009 لكن تأثيرات القوى التي ظهرت على الساحة والتي حيّدت الاتحاد الإسلامي صاحب التجربة والتاريخ في المعارضة تركت أثرا في مسيرتها، إذ لم يتمكن من تصعيد خطابه وكذلك التخلي عن نهجه الاعتدالي الخدمي. وفي حال اختار الاتحاد الإسلامي خيار المعارضة فلا يمكنه تجاوز خطاب حركة التغيير في السنوات السابقة و خطاب حراك الجيل الجديد الحالي، وإذا قرر العودة إلى الخيار الدعوي الإسلامي فإنه يواجه تنافساً قوياً ويصطدم بحائط الجماعة الإسلامية الكوردستانية.

يواجه الاتحاد الإسلامي قضية فصل الدعوة عن الدين في كل مؤتمر وكل منعطف مفصلي دون أن يجد لها حلاً جذرياً، ما دفعه إلى ترحيل الأمر من مؤتمر الى المؤتمر الذي يليه ، ولا يكمن الإشكال في التغطية على القضية فقط بل في التردد السياسي الذي كبل الحزب في ميداني السياسة والدعوة، إذ لايتمكن من العمل كحزب دعوي كما ظهر في باديء الأمر من جانب، وكذلك أداء دور سياسي يلبي طموحات مناصريه وجماهيره من جانب آخر.

ويعاني الاتحاد الإسلامي من الوقوف في الوسط حيال الأممية الموروثة من الإخوان المسلمين وشقيقاتها من الجماعات الإسلامية الموازية وتمسكه بالقضايا القومية. بعد 2003 اتجه الاتحاد الإسلامي نحو القومية الكردية وابتعد عن الأممية الإسلامية نوعاً ما, على نحو لم يكن ينافسه أي من القوى السياسية الكردية وظهر هذا جلياً في مواقفه في قضية الاستفتاء عبر ممثليه وعبر تصديه لحملات إيران وتركيا وبغداد والدول الإسلامية ضد المشروع لكن بعد 2018 وتراجع اصواته الانتخابية يمكن ملاحظة حنين قادة الحزب للعودة إلى الخيار الإسلامي في تصريحات ومواقف قادته عبر:

1_ محور الإسلاموية: يظهر هذا النهج في العودة إلى المباديء الإخوانية والدينية بسبب اعتقاد سائد يرى أن التخلي عن المبادئ الإسلامية كان وراء تراجع الاتحاد الإسلامي وأن قمة عطاء وتوسع الحزب كانتت في زمن تمسكه بـ الإسلاموية كخيار سياسي وتعلقه بالإخوان المسلمين، و لم تلق فكرة استقلال كوردستان اهتماماً في مؤتمره الأخير على عكس آخر مؤتمرين سبقاه وعده الحزب انجازاً ومفخرة له.

2_ محور الدول الإقليمية: شهدت علاقات الحزب فتوراً وتراجعاً مع محيطه الإقليمي (تركيا وإيران)، ففيما يتعلق بإيران حل محله إضافة الى (الاتحاد الوطني الكوردستاني) قوى أخرى (الجماعة الإسلامية والتغيير) أما فيما يتعلق بتركيا فقد حل (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) محله.

ويرى اتجاه أن القوى الإقليمية تعاقب الاتحاد الإسلامي بسبب مواقفه ما دفع أطراف في الحزب إلى المطالبة بتقوية البعد الإقليمي للاتحاد الإسلامي في مقدمتهم الأمين العام للحزب حيث سبق جميع القادة الكرد في إدانة قتل الجنرال قاسم سليماني لحقه الحزب بقوة. أما بخصوص تركيا فقد صعّد الاتحاد الإسلامي من انتقاداته إزاء حزب العمال وخفف من مواقفه إتجاه مسؤولي العدالة والتنمية التركية.

– الديمقراطية الداخلية ومخاطر حكم العائلة:

تخلى الأمين العام للاتحاد الإسلامي صلاح الدين بهاء الدين عن الترشح مرة أخرى لمنصب الأمين العام للاتحاد الإسلامي وحل محله محمد فرج في المنصب عام 2012، لكن صلاح الدين بهاء الدين عاد مجددا وانتخب دورتين متتاليتين للمنصب.

كان تخلي صلاح الدين بهاء الدين عن الأمانة العامة للحزب نموذجاً رائعاً وفريداً في الحياة السياسية لإقليم كوردستان وأنعش الآمال بتطور الديمقراطية داخل الأحزاب الكردية، إلا أن عودته للمنصب شكلت ضربة لهذه المبادرة، وأعقبتها ضربة أخرى تمثلت في اعادة ترشيح نفسه مرة أخرى بعد 22 عاماً من شغل منصب الأمين العام، وفاز في المرة الأخيرة بأصوات قليلة مقارنة بالمرات السابقة، ورغم الاعتراضات الداخلية على ترشحه إلا أنه تمكن من الفوز  بدعم من الحرس القديم داخل الحزب.

رأس مال الاتحاد الإسلامي يتكون من التنظيم والدعوة وادارة ماليتها، وقد تم السيطرة عليها من قبل أقارب الأمين العام، مما يضع الحزب أمام احتمالات الإنجرار نحو النزعة العائلية في المستقبل.

– السيناريوهات المستقبلية:

بناء على الرؤى المختلفة داخل الاتحاد الإسلامي الكوردستاني يمكن ملاحظة الخطوات التالية:

1- سيطرة الخطاب الإسلامي الإخواني ومحاولة تشكيل جبهة إسلامية في احتمال ضعيف بسبب فشله في المرات السابقة ما يمكن أن يترك أثراً على تطوير علاقات الاتحاد الإسلامي بالجماعة الإسلامية الكردية في الوقت الحالي.

2- العودة إلى خيار المشاركة في حكومة الاقليم (السلطة) مثل تجارب (2006- 2009) و(2013- 2018)، وهي الخيار المرجح في المدى البعيد ما يمكن الحزب من تصفير أزماته مع القوى الحاكمة ودول الجوار، وهذا الخيار ينعش اقتصاد الحزب وينقذه من أزماته المالية أيضاً .

3- العودة إلى خيار المعارضة الخدمية، ولكن بالنظر إلى الوضع الحالي لإخوان المسلمين في دول الخليج وهشاشة الوضع بين بغداد والاقليم، فإن هذا الخيار صعب  جداً.

ڕانانى-ئایندەیی-ژمارە-2-کوردى

قراءات-مستقبلية-رقم -٢- ٢٠٢٠ عربى

Futuristic Readings No.2 -2020

Send this to a friend