قراءات مستقبلیة رقم (٤) ٢٠٢٠
الحکومة العراقية الجديدة والأزمة الاقتصادية في اقليم كوردستان ؛المعوقات و المشاهد المستقبلية
– قراءات مستقبلية (4)
– الباحثون:د.يوسف گوران،د.ئوميد رفيق فتاح، د.عابد خالد رسول،د.هردي مهدي ميكة
– السليمانية – اقليم كوردستان
– ايار 2020
فهرست المواضیع
المحور الأول: مستقبل حكومة الكاظمي؛المهام والتحديات.
المحور الثاني: الأزمة الاقتصادية في إقليم كوردستان؛جذور عميقة و عودة الظهور.
توطئة
يشكل ملف الحكم الرشيد والتحديات التي تواجهه وكذلك أُفق الإصلاح في العراق واقليم كوردستان أولوية مُلحة، وهو يفرض نفسه مع كل أزمة مستجدة، خاصة في ظل مرور العراق واقليم كوردستان بأحداث وأزمات عديدة، بدءاً من عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وصولاً إلى الأزمة الإقتصادية وانهيار القدرات في ظل انتشار جائحة (كوفيد 19) وضرورة إعادة تنظيم الموارد وتنوعها في اقليم كوردستان. وهذه المفاصل والازمات قد خلقت عوائق كبيرة أمام مستقبل الحكم وتحديات جدية امامه في كل من العراق وإقليم كوردستان.
القراءة المستقبلية الرابعة؛ تتابع ملفين من هذه التحديات والقدرة على مواجهة سيناريوهات المستقبل.
المحور الأول: مستقبل حكومة الكاظمي؛
المهام والتحديات:
بعد أشهر عديدة من احتجاجات الشارع والتعقيدات التي شابت العملية السياسية، منح مجلس النواب العراقي في الـ 7 من ايار 2020 الثقة لوزارة المرشح الثالث المكلف بتشكيل الحكومة (مصطفى الكاظمي)، وذلك بعد استقالة رئيس لبوزراء السابق (عادل عبد المهدي) في 30 تشرين الثاني 2019، تحت ضغط الشارع والاحتجاجات الواسعة التي اندلعت مطلع تشرين الأول 2019 التي عمت الكثير من مدن وسط وجنوب العراق، وكانت الاحتجاجات تشدد على الإطاحة بمجمل الطبقة السياسية الحاكمة واستئصال الفساد. وكان البلاد تُدار من خلال حكومة تصريف أعمال لأكثر من خمسة أشهر.
لقد كان منح الثقة لرئيس الوزراء الجديد ومنهاجه الوزاري سهلاً الى حد ما، على غرار عملية تكليفه، خلافاً للأوضاع التي أحاطت بتكليف المرشحين السابقين عليه، محمد توفيق علاوي وعدنان الزُرفي، إذ امتنع مجلس النواب عن الانعقاد لمنح الثقة للكابينية المقترحة من قبل المرشح الأول وانسحب المرشح الثاني من عملية تشكيل الحكومة بعد ثلاثة أسابيع من تكليفه. وتميز الكاظمي أثناء التكليف بنوع من التأييد المباشر من الأطراف الداخلية (الكورد والسنة والشيعة) ونوع من التفاهم الضمني من الأطراف الخارجية (إيران وأميركا)، وقد صاحب كل هذا تراجع ضغوط المحتجين بسبب تداعيات كورونا، واستطاع الكاظمي العبور بكابينته الوزارية بكفاءة وبأقل الصراعات وضمن بذلك موافقة الأغلبية البرلمانية. وهنا يبرز السؤال الرئيسي هل بإمكان الحكومة الجديدة أن تجتاز الأزمات الآنية للعراق بالسهولة التي حصلت بها على الثقة، وما هي المهام التي عليها إنجازها؟ وما التحديات التي تواجهها في إنجاز تلك المهام؟ وكيف هو مستقبلها؟
– مهام الحكومة الجديدة:
تتلخص المهام الملقاة على الكاظمي وكابينته الوزارية في عدة محاور، بناءً على اشتراطات الكتل السياسية المانحة للثقة بحكومته، وبناءً على متطلبات الشارع العراقي وكذلك النفوذ الخارجي المهيمن على الأجواء. ويمكن التعبير عن هذه المهام بالأمور التالية: إخراج العراق من أزمته الإقتصادية، إصدار قانون موازنة خاصة لمواجهة هذه الأزمة وانهيار أسعار النفط، تنمية القطاعات الاقتصادية، منع انتشار وباء كورونا، مواجهة الفساد، نزع سلاح المجاميع العسكرية وحصره بيد الدولة، إجراء انتخابات مبكرة وتطبيق قانون الأحزاب مع تطوير قانون الأحزاب؛ تطوير الشعور بالمواطنة، مأسسة الحوار مع المحتجين وتلبية مطالبهم؛ اعادة النازحين وإعمار المناطق المنكوبة بعد حرب داعش؛ انتهاج سياسة خارجية مستقلة، محاربة الإرهاب وتأمين الأمن، تهدئة الأوضاع بين بغداد وأربيل وحل القضايا العالقة بينهما، مع عدد آخر من المهام البعيدة المدى.
إذن قائمة المهام والأعمال المنتظرة للكاظمي تطول، ويرتبط تطبيق بعضها بالآخر وبالواقع السياسي في العراق ومدى قدرة الأطراف الراغبة بتلك المهام عبر الإقناع أو الضغط لكن المهمة المستجدة الحالية تتمثل بعبور البلد أزمته الإقتصادية، وكذلك مواجهة الجائحة ومن ثم الاستعداد لإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
– ماذا بإمكان حكومة الكاظمي فعله؟ التحديات والسيناريوهات:
قائمة المهام الطويلة للحكومة الجديدة تثبت أن ظروف عمل الحكومة الحالية ليست مثالية و تواجهها تحديات كثيرة، وفي مقدمتها الأزمة الاقصادية والمالية، واحتمالات نشوب الاحتجاجات من جديد في أية لحظة، وكذلك فقدان الدعم السياسي والبرلماني مثلما حدث مع عبدالمهدي من قبل داعمي الحكومة، ولا سيما في ظل ما يُقال عن استقلال رئيس الوزراء عن الأحزاب وعدم امتلاكه ميليشيات مسلحة خاصة به، ويشكل احتمال الصدام الأميركي الإيراني كخطر ماثل عقبة أخرى، إضافة الى مخاطر إنتعاش الجماعات الإرهابية المسلحة واحتمال عودتها للميدان. وفي إطار كل هذا يمكن الإشارة إلى تحديين رئيسيين لعمل حكومة الكاظمي:
- على الصعيد الداخلي: تضاربُ مطالب وتوقعات كل من المحتجين والقوى التقليدية التي منحت الثقة بها عبر كتلها النيابية في مجلس النواب، إذ يشدد الطرف الأول على الإصلاح وتصفية الفاسدين من داخل الطرف الثاني، بينما يدنو الأخير الى تطبيع الأمور بأقل الخسائر الممكنة مثل قبول إستبدال الحكومة والتنازل عن بعض المناصب الحكومية، في سبيل الحفاظ على المكاسب التي حصل عليها طوال السنوات السابقة.
- على الصعيد الخارجي: تضارب أهداف وتوقعات كل من أميركا وإيران من الحكومة الجديدة، إذ يلح الأول على إعادة الاستقلال بسياسة العراق الخارجية وإصلاح المنظومة الأمنية لإضعاف سيطرة ايران عليها، بينما يرغب الثاني في إبقاء العراق ساحة لمقاومة أمريكا في المنطقة، إضافة الى استخدامه سوقاً لمنتجاته والافلات من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.
– سيناريوهات مستقبل الحكومة العراقية الجديدة:
في ظل التحديات المذكورة يمكن توقع السيناريوهات التالية لحكومة الكاظمي:
السيناريو الأول: نجاح الحكومة الجديدة في إنجاز عدد لابأس به من المهام الملقاة عليها، بشرط احتواء جزء كبير من من التحديات الرئيسية، مثل الخروج سريعا من الأزمة الاقتصادية، وإستمرار الدعم السياسي الذي نالته الحكومة من الكتل المساندة لها إلى النهاية، لاسيما وان عدم إنزلاق الوضع الى إندلاع الاحتجاجات مجددا والإبقاء على الوضع الذي هو في صالح القوى التقليدية كما هو لحين موعد الانتخابات النيابية القادمة في 2022، إذا لم يكن بالوسع إجراء إنتخابات مبكرة.
السيناريو الثاني: في حال تشدد التحديات الرئيسية التي ذُكرت اعلاه، مثل اندلاع التظاهرات من جديد وتراجع القوى المؤيدة عن دعمها لحكومة الكاظمي وتفاقم الأزمة الاقتصادية لحد عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، فإن الخيار الأفضل أمامها بوصفها حكومة إنتقالية يتمثل في تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات مبكرة، ويبدو أن هذا الخيار ليس سهلاً في ظل اعتقاد سائد بعدم حماس الأميركان له، حفاظاً على الرئاسات الثلاث الحالية المقبولة أميريكياً وعدم ضمان تكرار الحالة مستقبلاً.
السيناريو الثالث: إحتمال فشل الحكومة عن تحقيق الأهداف الملقاة عليها، بسبب تشدد المعوقات، وعندها ستلاقي مصير حكومة عبد المهدي نفسه، وسيظل السيناريوهات المصاحبة لفش الأخيرة ماثلاً، إذ يعود العراق مجدداً إلى مستنقع الاضطرابات والصراعات السياسية والأنفاق الدستورية المطولة وضغوط الإحتجاجات وحذلقة القيادات الشعبوية وعنف الفصائل المسلحة، مما ينذر بفوضى كبيرة يصعهب على العراقيين تحملها مجددا.
المحور الثاني: الأزمة الاقتصادية في إقليم كوردستان؛
جذور عميقة و عودة الظهور:
– عودة ظهور الأزمة:
للأزمة الاقتصادية في اقليم كوردستان جذور أقدم مما هي عليه الآن، الا ان جائحة كورونا قد أظهرت سوء أوضاع إدارة الاقليم وكشفت المشاكل المستترة لمصادر الايرادات وملابسات المصاريف. ولم تقتصر الأزمة الحالية على اقليم كوردستان فقط، بل شملت العديد من الدول وكذلك الشركات الكبرى العملاقة، ومن ضمنها العراق الذي تأثر بالازمة بشكل كبير ومن جراءها تأثر الاقليم بشكل أخطر، إذ تؤمن الحكومة العراقية 52% من رواتب موظفي الاقليم وفقا لاتفاقية، الا انه في خضم انتشار الكورونا وإنهيار أسعار النفط وأثناء الاستلام والتسليم بين الحكومتين المستقلة والجديدة تم إيقاف صرف الحصة المقررة لرواتب موظفي اقليم كوردستان. وهكذا أصبح وقع الازمة على اقليم كوردستان مضاعفا بسبب إنكشاف المشاكل الحكم المستترة فيه وإنخفاض مصار إيراده ووقف صرف الحصة المققرة لموظفه، مما تركت أثراً في حكومة أربيل وكذلك المواطنين عموما والعلاقات السياسية البينية للقوى السياسية الكوردية خصوصا، ودفعت باندلااع احتجاجات شعبية، أهمها في كانت في مدينة دهوك التي لقيت ردود فعل سياسية وأمنية عنيفة. ومن أجل تسليط الضوء على حجم الأزمة وتحديد مصادر عجز الاقليم عن مواجهتها، ينبغي أن نغطي بالمسح مصادر الايرادات لإقليم كوردستان وكيفية توزيعها على مختلف القطاعات الاقتصادية.
– تغطية إحصائية مصادر ايرادات الإقليم و مصروفاته:
بحسب البيانات المتوفرة، كان دخل وزارة المالية لحكومة الإقليم قبل انتشار كورونا بالدينار العراقي في شهر واحد كالتالي:
الواردات الداخلية : 240 ملیاراً، عوائد بيع النفط: 360 ملیاراً، الحصة المستحصلة من بغداد: 452 ملیاراً، مصادر أخرى: حوالي 20 ملياراً، موضوحة في (الشكل رقم – 1).
خصصت من مجل هذه الواردات ٨٨٦ ملیاراً لصرف رواتب الموظفين في الاقليم، ٢٠٠ ملیار لنفقات الوزارات و٣٥ ملياراً للمشاريع.
إلا أنه وفي أثناء الأوضاع التي سادت بسبب تفشي جائحة كورونا وتوقف النشاط الاقتصادي في شهري آذار ونيسان من 2020 تراجعت واردات الاقليم بنسبة 45% من بيع النفط و90% من الواردات الداخلية واذا استمر التراجع على هذه الوتيرة لكانت نسبة العجز 200 مليار دينار. وقد أوقفت بغداد تحويل الأموال المققرة لصرف رواتب الموظفين خلال الشهرين المذكورين، والتي كانت لوحدها تشكل نسبة 42% من مجمل ايرادات الاقليم.
ويبدو من هذا، أن الأزمة الاقتصادية في الاقليم كانت حقيقية وتظهر مؤشرات خطيرة عن نوعية مصادر الإيرادات وكيفية صرفها وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية لإقليم كوردستان.
– تقصي جذور الأزمة وخصائصها المسببة لمشاكل الإيرادات:
لا ترتبط جذور الأزمة الاقتصادية في الإقليم بالظروف الآنية لتفشي مرض كورونا وإنهيار الأسواق العالمية وإضطراب العلاقات بين أربيل وبغداد فحسب، بل تضرب بجذورها في أعماق البنيته التحتية للاقليم، فالهيكيلية الأقتصادية للإقليم نفسها محملة بالمشاكل ومنتجة لها، ولا سيما فيما يتعلق بمصادر الإيراد وأخرى بكيفية الإنفاق، مع غياب الخطط الطويلة الأجل وحتى غياب الخطط أصلا. وعليه ففي ظل هكذا نوع من إدارة الإيرادات والمصاريف لا يصعب على الاقليم تجاوز الازمة فحسب وإنما مرشحة لتفاقم مشاكلها في المستقبل القريب.
السؤال المطروح هو لماذا أصبحت جذور الأزمة عميقة ووثيقة الصيلة بالمشاكل الداخلية أكثر من المشاكل الخارجية، وللإجابة على هذا التسائل يجب التوقف على خصائص المشاكل الملازمة لمصادر الإيرادات في اقليم كوردستان والتي هي مسببة للأزمة أيضا، وتلك الخصائص هي:
- انتهاج السياسة الزبائنية:
المشاكل التي خلقت اختلالا في التوازن بين الإيرادات والنفقات في اقليم كوردستان ترتبط بمعادلة (ثبات النفقات وكثرتها وإنتقاص الايرادات وعدم استقرارها) كنتاج لانتهاج السياسة الزبائنية المبنية على ثلاثة أسس: وجود عقد اقتصادي له تداعيات سياسية وفق اتفاق غير عادل بين القوى السياسية والفئات الصغيرة، الأساس الثاني هو استمرار هذا الاتفاق لمدة طويلة تتعلق بعمر المجموعات ما يعني أن أفراد هذه الفئات سيستلمون مكافئات ورواتب بالمجان على شكل فضائيين وسيتم استخدامهم في الصراعات السياسية وكسب الدعم في الانتخابات، والأساس الثالث عبارة عن وجود الوساطة والسمسرة السياسية.
تكمن مشكلة هذه السياسة تكمن في تداعياتها السلبية على مستويين: المستوى الأول يظهر في فتح باب كبير على الفساد السياسي والاقتصادي ما يشكل عبئاً ثقيلاً على الخزينة العامة، وفي اقليم كوردستان فتحت هذه السياسة نافذة على معادلة أخرى وهي عدم وجود معيار من أجل تشغيل الرأس المال ومصادر الاستثمار الحقيقي لأن الوساطة تعيش على الاستثمار الوهمي إذ تم تخصيص ميزانيات لمشاريع وهمية، ولأن السياسة أصبحت مصدراً للدخل والتجارة فإن المشاريع يتم احتكارها وإكمالها على حساب الخزينة العامة، ولا يدخل هذا ضمن إطار تشجيع الاستثمار لأن المحتكرين ليسوا مستثمرين في الأساس من ناحية امتلاك رأس المال الحقيقي وعلنية مصادر الأموال والدعم.
في اقليم كوردستان ترتبط مشاريع الاستثمار والتجارة بعامل آخر وهو اختيار مكان الاستثمار، وبسبب ارتباط الموضوع بالتداعيات بالسياسة وجلب انتباه الناخبين والتوظيف السياسي للناخب لجأ المستثمرون إلى تكثيف أعمالهم في مناطق دون العناية بمبادئ الاستثمار والأرض ورأس المال والعمل والتنظيم لأن المشروع يهدف في الأساس الى تحقيق أغراض سياسية وليست اغراضا تنموية.
2- مصادر الإيرادات المعتمدة على النفط:
يشكل عائدات النفط 34% من ايرادات إقليم كوردستان، وتأتي نسبة 42% منها من بغداد، في حين تشكل عائدات النفط نحو 90% من مصادر الايرادات في العراق ايضا، ولذلك يمكن القول أن 76% من مصادر ايرادات الإقليم تعتمد على النفط بشكل مباشر أو غير مباشر.
3- إعتماد جزء من الايرادات على العلاقات السياسية غير الثابتة وقصيرة المدى:
إحدى خصائص استحصال الإيردات في إقليم كوردستان هي اعتماده جزء كبير من مصادر ايراده على العلاقات السياسية العرضية بين العراق والاقليم وليست على التزامات متبادلة ستراتيجية وثابتة وقصيرة المدى بينهما. وعلى سبيل المثال الحصة المقررة من بغداد للإقليم، التي تشكل حوالي 42% من ايرادات الاقليم، قد نظمت من خلال تشريعات الموازنة العامة، وهذا التنظيم خاضع للتغيير والتقلب المستمر من سنة الى أخرى وتحتاج تثبيتها إلى تقديم تنازلات وتوافقات، وعليه تتأثر حجم هذه الحصة ومدى استمرارها بعلاقة الإقليم السياسية مع الأطراف التي تشكل الحكومة لا العلاقة المؤسسية بين المركز والإقليم، والأخطر من هذا يحتاج الإقليم إلى موافقة الأغلبية في مجلس النواب لتمرير المواد والفقرات المتعلقة بحصته في بغداد في قانون الموازنة، وهذا ملف مثير للجدل والمشاكل إذ ترك اثاراً على باقي مطالب الإقليم المتعلقة بالهوية والحدود والأجندات الكوردية الأخرى.
إضافة الى ذلك، تعتمد عمليات بيع نفط الإقليم في الأسواق العالمية على علاقات غير ثابتة بين الاقليم والدول المجاورة للاقليم أمثال تركيا وإيران وعلاقة الشركات وأصحاب رؤوس الأموال من دول العالم، دون تنظم هذه العملية ضمن قانون خاص بالنفط والغاز، مما دفع الإقليم إلى بيع نفطه في الأسواق العالمية بأسعار منخفضة، لأن جانب كبير من هذه العلاقات مبنية على ترضية الأطراف الفاعلة فيها والتنازل لها من الطرف الاضعف فيها وهو عادة اقليم كوردستان.
كما ترتبط جانب آخر من علاقات الاقليم بأوضاع مواجهة الإرهاب غير العادية وعلاقة الكورد مع الأطراف المناهضة للإرهاب ولا سيما ضد تنظيم داعش، إذ نظمت هذه العلاقة وفق أغراض ومبتغيات مرحلية ولا تستند إلى أسس ومرتكزات استراتيجية بعيدة المدى.
4- عدم سيطرة حكومة الإقليم على مصادر ايراداته 100% وفقا لتقارير اللجان المختصة في برلمان الاقليم والكتابات والبيانات الصادرة من وزارة المالية في الاقليم وكذلك التصريحات الرسمية من قبل الكابينة الوزارية الحالية للاقليم. وثمة اعترافات ايضاً بوجود فساد بمستويات واسعة لصالح فئات ومجموعات صغيرة داخل الأحزاب النافذة وعدد من القوى التي تقف خارج العملية السياسية في الإقليم عبر وضع نقاط سيطرة لجباية رسومات غير شرعية وأخذ الأموال وفرض شركات على الحكومة، وإعفاء شركات من دفع الضريبة، والامتناع عن إرجاع الديون للحكومة، أضافة الى الفساد المستشري في المعابر الحدودية. وقد أقرت حكومة الاقليم في اجتماعها الأخير في (5/ 5/ 2020) بهذه الأنماط الواسعة من الفساد وتلك المشاكل الكبيرة في استنزاف الموارد والايرادات.
5- مشاكل نمط المصروفات وإعادة توزيع الإيرادات على مختلف القطاعات:
وبحسب التحديثات الأخيرة لنظام بيومتريا يبلغ عدد الموظفين المسجلين حوالي 1.255.273 شخصاً على النحو الآتي:
مجموع الموظفين الذين يستلمون الرواتب بشكل فعلي: 752.959 ويشكل هؤلاء 60% من مجموع المنتفعين من (الرواتب) وفق الآتي: المدنيون: 430,231، الشرطة والآسايش: 104.699، العسكريون (البيشمركة): 217,979.
الا أن نسبة 40% الباقية من المنتفعين من الرواتب خارج الموظفين هم ذوي الشهداء والمشمولين بالرعاية الاجتماعية والمتقاعدين وفق الآتي: الشهداء: 96,937، المتقاعدون: 246.269، المشمولون بالرعاية الاجتماعية: 159.158.
وعند التمعن في هذه الارقام للموظفين نلاحظ النسبة المئوية لبعض القطاعات كالآتي: القطاع التربوي 22.2%، الصحة: 6.5%، الداخلية: 19.1%، البيشمركة: 18.7% (انظر الشكل رقم – 2).
وتظهر هذه النسب تبايناً كبيرا بين القوى العسكرية والأمنية في اقليم كوردستان من جانب و قلة نسب القطاعين الصحي والتربوي من جانب آخر، إذ تكلف نفقات رواتب القوى الأمنية 37.8% من الخزينة العامة بينما لا تتجاوز تكلفة رواتب قطاع الصحة والتربية والتعليم 28.7%. وبجانب هذا يعاني الإقليم من ظاهرة البطالة المقنعة وسوء توزيع الموظفين ووجود ظاهرة الفضائيين الحكوميين والمنتفعين من راتبين او أكثر وتقاعد الدرجات العليا، ليست للمبالغ الخارجة من الخزينة أية مردودات أو مساهمات في إعادة أنتاج الدخل والواردات العامة مرة أخرى. والأخطر من هذا أعترف رئيس الحكومة مسرور بارزانی في آخر خطاب له في عيد الفطر بوجود سوء إدارة وسوء توزيع للايرادات والمصروفات بشكل أن 80% من ايرادات الاقليم تصرف على 20% من السكان. وهذا يعبر عن الرؤية القاتلة في التوزيعات غير الاقتصادية التي سيطرت على تنظيم المصروفات على مدار الكابينات الوزارية المتلاحقة للاقليم.
وهكذا تظهر أن ممارسة السیاسة الزبائنية، والاعتماد على اقتصاد النفط الهش (إذ برأي عدد كبير من الباحثين تشكل اقتصادات النفط من أكثر الاقتصادات العرضة للاظطراب بسبب التبالدل السريع في اسعار النفط)، وكذلك الإعتماد علاقات سياسية متأرجحة وغير ثابتة، إضافة الى سوء التوزيع في المصروفات وتنظيم الايرادات، ترك كل هذا آثاراً سلبية في اقتصاد الإقليم وهيلكليته.
– سيناريوهات المستقبل وخارطة طريق للإصلاح:
حيال الوضع الراهن، الذي يمر به اقتصاد اقليم كوردستان والمشاكل التي تعتري هيكليته، يمكن توقع سيناريوهين اثنين:
السيناريو الأول: مرور اقتصاد الاقليم بوضع سيء ومنعطف خطير، ترك اثاراً مباشرة على المكانة السياسية للإقليم على الصعيدين الخارجي والداخلي، ومن الصعوبة أن يعود هذا الوضع إلى ما قبل 2013، بل يمكن أن يتجه قريبا الى المزيد من الإنهيار في حال استمر المشاكل التي تعتري هيكلية اقتصاد الاقليم وعدم إجراء إصلاحات جذرية فيها، وقد تمهد هذا الى إنهيار طويل الأمد.
السيناريو الثاني: على الرغم من السيناريو القاتم المذكور اعلاه، يمكن بوجود إرادة سياسية موحدة نحو الاصلاح الجذري بين صناع القرار في الاقليم، تبديد مستوى التوقعات غير المحبذة، وايجاد منفذ للخروج من التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية والتشرزم السياسي، ولتحقيق هذا السيناريو، قد تساعد الخطوات الآتية أدناه على رسم خارطة طريق لإنقاذ الإقليم من الأزمة الحالية:
1- تطبيق “قانون الإصلاح” بصورة دقيقة وعادلة، وتوسيعه الى قطاعات الخدمة العامة الاخرى، مثل القضاء والهيئة التشريعية.
2- من المهم في تنظيم دور القطاع العام، مراعاة التوازن في إعادة توزيع الايرادات العامة بصورة عادلة، بشكل يكون دور الحكومة فيه توسيع فرص العمل للمواطنين بدل اللجوء إلى التعيينات، عن طريق زيادة الميزانية الخاصة بالاستثمار وتشجيع المشاريع الصغيرة للمواطنين ووضع نظام قوي للضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع غير الحكومي.
3- تنويع الاقتصاد وتخليصه من هيمنة النفط فيه، عبر دعم مجالات الصناعة المتنوعة مثل الأغذية، المستلزمات والحاجات اليومية، البتروكيمياوية، قطاعات الخدمة والسياحة ومجالات الزراعة. ومن الواضح أن كل مجال من هذه المجالات يتطلب اصدار قوانين وتعليمات خاصة به.
4- ترشيق جهاز حكومة الإقليم وهيئاته عبر دمج بعض الوزارات والهيئات والمديريات العامة، وإلغاء ماهو غير ضروري منها، وتطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الواسعة، من أجل تفعيل الحكومة وحسن إدارتها وتنمية الهيئات المحلية.
5- تقليص الميزانية غير المدنية (37%) من الميزانية العامة لعدم توافقها مع المعايير العالمية من جانب ومع القدرة الذاتية لحكومة الإقليم من جانب آخر، ونقل تلك المبالغ إلى ميزانية الاستثمار وخلق فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة والبنى التحتية.
6- تأسيس نظام مصرفي مستقل يحظى بالثقة، من أجل توفير المزيد من الدعم للتنمية الاقتصادية وإعادة تدوير الإيرادات واستعمال رأس المال (المكنز) والمصادر الكامنة للاقليم.
7- تقوية القطاع الخاص ودعم استقلاله ومحاربة الاحتكار وإبعاد السلطة الحزبية والحكومية من العمل التجاري عبر اتخاذ إجراءات قانونية وإدارية ملائمة .
8- وضع نظام فعال وعادل للضريبة (الضريبة التصاعدية)، يشمل أصحاب رؤوس الأموال كافة كل حسب حجم رأس ماله.
9- في سبيل استباب الاستقرار وإنهاء القلاقل المالية والاقتصادية، من المهم العمل على حسم المشاكل المالية بين بغداد وأربيل وفقا للدستور. ومن شأن إعادة الثقة بين الطرفين ان يساهم في توسيع التجارة وتنمية الاقتصاد بينهما وفتح أسواق أكبر أمام كلاهما.
10- إعادة هيكلة كل من وزارة التربية، والعمل والشؤون الاجتماعية، والتعليم العالي، على نحو يتم الإهتمام بالدراسة المهنية وربط تلك الوزارات بتنمية سوق العمل وخلق جيل نشط يمتلك المهارة اللازمة والإستعداد لملء القطاعات الاقتصادية المختلفة وخلق فرص عمل جديدة لهم.
قراءات-مستقبلية-رقم -٤- ٢٠٢٠ عربى